العمارة المستدامة: اعمل على تغيير مستقبل البناء عبر استخدام أساليب البناء الأخضر
جدول المحتوى
العمارة المستدامة في سبعينيات القرن الماضي تعرض العالم بأسره- نتيجة لظروف سياسية وعسكرية عديدة- لأزمة نفط تعد من أكبر وأقسى الأزمات النفطية على الإطلاق، حيث تضامنت الدول المصدرة للنفسط كدول الخليج والجزائر وليبيا مع مصر وسوريا في حرب التحرير التي خاضوها في العام 1973 م، وكان لهذه الأزمة أبعادا ربما لم يتصورها أخ وقتها، فقد تسبب القرار العربي بتوقف قطار الحياة في الغرب وبالأخص في أوروبا وأمريكا، وتعطلت المصانع والشركات والمطارات، وتم الاستغناء عن السيارات وتم اللجوء للعربات التي تجرها الخيول للتنقل، كانت ضربة استراتجية أعادت الغرب- المعتمد كلية على النفط- إلى العصور الوسطى
ومن هنا بدأ الفكر العالمي وبالأخص الغربي يتوجه نحو الإجابة على سؤال هام وجوهري، ماذا لو نفذ مخزون الوقود في العالم؟ كيف سيكون شكل الحياة؟ وكيف ستسمر الحضارة البشرية، وفورا أخذ العديد من العلماء والمهندسين زمام المبادرة وخاضوا رحلة البحث على طريقين متوازيين، الأول هو البحث عن مصادر بديلة أخرى للطاقة كالطاقة النظيفة والمتجددة، والآخر هو البحث عن طريقة يقللون بها الاحتياج التكنولوجي للوقود من الأساس، ضع كل ذلك إلى البعد البيئي ومدى الاحتياج الذي ظهر مؤخرا لتقليل الانبعاثات الكربونية أصبح الشغل الشاغل للعالم أجمع هو البحث عن طرق جديدة لتحقيق “العمارة المستدامة” … ولكن ماذا تعني كملة “مستدامة”؟
مفهوم الاستدامة
هي العمل على تقليل الاستهلاك البشري لموارد الطبيعة إلى أقل حد ممكن، حتى “تدوم” هذه الموارد وتتمكن للأجيال القادمة الاستفادة منها فيما بعد.
وفي مجال البناء قد تسائل العديد من المهندسين العباقرة أمثال “روبرت فوكس” و “وليام ماكدونو” عن كيفية تطبيق استراتيجيات التنمية المستدامة في مجال البناء والتعمير، وكان من أول الأسئلة التي طرحوها: لماذا نغطي العمارات وناطحات السحاب بالزجاج القاتم والفولاذ، ثم ننفق كما هائلا من الأموال والوقود لإنارة هذه المباني وتدفئتها؟، وانطلاقا من هذا السؤال البسيط بدأ المهندسون في التفكير في كيفية إجراء الدمج الكامل بين الإنشاء والبيئة، بحيث يستفيد المبنى من البيئية استفادة قصوى (كأن يعتمد على الشمس في الإنارة والتدفئة- يعتمد على الهواء الطبيعي في التكييف والتهوية) وفي نفس الوقت يتسبب في أقل الأضرار والاستهلاك للبيئة، ومن هنا بدأ في الظهور تيار جديد ومصطلح هام للغاية وهو …
العمارة المستدامة
وهو مصطلح بيئي وهندسي يصف العمارة المستدامة الواعية بيئيًا والمحافظة على موارد البيئة والمسببة لأقل معدلات الضرر للبيئة العامة، وهي معني أيضا بوصف العمارة المستدامة التي تسعى لإيقاع أقل نسبة إهلاك ممكنة في موارد البيئة
وذلك عن طريق وضع وتطوير استراتيچيات تقنية حديثة لتعزيز كفاءة استهلاك الموارد داخل المبني، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمياه وغيرها، ويتضمن ذلك المفهوم أيضا كل الأنشطة المعمارية المهتمة بوضع وتطوير أنظمة إعادة التدوير داخل المباني، حتى يتسنى إعادة استخدامها دون الحاجة لاستجلاب وهلكت موارد جديدة
وهو ما يعطي الأجيال القادمة فرصة الاستفادة من تلك الموارد التي ستستمتع بالاستدامة نتيجة تخفيض معدلات إهلاكها.
اقرا ايضا: تكلفة بناء منزل؛ العوامل والخطوات التي يجب مراعاتها عند تقدير التكاليف
كيف يتحقق مفهوم الاستدامة في العمارة؟ كيف تصبح العمارة المستدامة؟:
يتحقق مفهوم العمارة المستدامة بتطبيق عدد من المبادئ التي تعزز من الوصول للهدف الرئيس وهو “تقليل إهلاك موارد البيئة وجعلها تدوم لأطول مدة ممكنة”، ومن هذه المبادئ:
1.الحفاظ على الطاقة:
من الاشتراطات الأساسية حتى يستوفي أي مبنى لمعايير الاستدامة أن يصمم ويبنى بحيث يتم فيه تقليل الاحتياج للوقود الأحفوري، ويعتمد بصورة أكبر علي مصادر الطاقات الطبيعية- ومن اللافت أن كثيرا من المجتمعات البدائية قد حققت مبدأ الاستدامة في كثير من الأحيان، حيث قام الإنسان منذ القدم بسكن الكهوف التي تلي الشمس حتى يستفيد من ضوئها
وكذلك حينما بدا في التشييد أقام البيوت في ملتقيات تيارات الهواء حتى يستفيد من رطوبتها وبرودتها، وكثير من المباني الباقية من الحضارات القديمة لا زالت تتمتع بقدرات عالية على التكييف والتدفئة حتى يومنا هذا بفضل تصميماتها وترتيب أحجارها، فضلا عن العبقرية الفذة التي ظهرت في أنظمة الإنارة في العديد من المباني القديمة، بل أن بعض المعابد والدور الحكومية القديمة تم بناؤها بتصميمات خاصة حتى تعزز من قوة الطاقة الصوتية، فتسمع كلمات الكاهن أو المسؤول دون حاجته إلى رفع صوته بشدة توفيرا للطاقة والجهد!.
وهنا يأتي سؤال هام: هل يمكن ترجمة تلك الإجراءات لنجاحات رقمية ملموسة؟
أثبتت الدراسات والإحصاءات العلمية بالولايات المتحدة الأمريكية أن الاعتماد على التصميمات المراعية للبيئة يمكن أن يخفض استهلاك الطاقة بنسبة 70 % في المباني السكنية وبنسبة 60 % في المباني التجارية.
وفي أحد التقارير الصادرة من المملكة المتحدة عام 1988 اقترح الخبراء والمهندسين فرض- بقوة القانون- الاعتماد على مصادر الطاقة الغير إهلاكية “النظيفة” بنسبة 50 % من إجمالي استهلاك الطاقة في المملكة، وكان من نتيجة ذلك أن ذهب الباحثون إلى تطوير طرق الاستفادة من الطاقة النظيفة بأقل تكلفة، ومع تطور تلك الأبحاث انخفضت تكاليف توليد الكهرباء من الخلايا الشمسية بنسبة تصل إلى أكثر من 90 % منذ عام 1980
ومع استمرار انخفاض أسعار الخلايا الشمسية فإن دمجها مباشرة في واجهات أو أسقف المبني بدلا من لصقها بطريقة منفصلة أصبح من الممكن تعميمه قريبا، فقد استطاعت شركة ألمانية شهيرة وهي شركة (flachglas) من إجراء تجارب وإنشاء نماذج محاكاة لعمليات دمج الخلايا الشمسية في النوافذ الزجاجية- النصف شفافة- والتي تمد المكان بالضوء أثناء توليدها للكهرباء.
2.التكيف مع المناخ:
يجب أن يتم تصميم المبنى الواعي بيئيا بحيث يستطيع توفير ظروف بيئية ومناخية جيدة لقاطنيه بأدنى درجة تدخل تكنولوجي، مثلا أن يكون جيد التهوية الطبيعية في الصيف، ويكون جيد التدفئة الطبيعية في الشتاء، مما يقلل من اعتماد مرتادي المبني على وسائل التكييف والتبريد الصناعية التي تهلك الكثير من الطاقة.
3.التقليل من استخدام الموارد الجديدة:
يعتبر هذا المبدأ من أهم الأسس التي يقوم عليها مجال العمارة المستدامة، حيث يقوم المصممون- بناء على هذا المبدأ- بالتفكير في أخذ استهلاك الموارد إلى الحدود الدنيا، ويتأتى ذلك عن طريق:
- الاعتماد على المواد المعاد تدويرها في بناء المبنى ذاته، مثلما فعل المهندسون في ولاية “نبراسكا” بالولايات المتحدة حينما اعتمدوا على “القش المكبوس” في صناعة قوالب البناء، بدلا من حرقه وتلويث البيئة به، ومثلما اعتمد الكثير حول العالم على الزجاجت في بناء المنازل الصيفية، والمفلت أن هذه التوجاهت قد حظيت باهتمام عالمي نتيجة ما أحرزته من تقديم كبير ونتائج باهرة.
- تصميم المبنى ذاته بطريقة تعزز استخدامه للموارد عن طريق إعادة تدويرها، فمثلا يجب أن يحتوي المبنى على أنظمة لإعادة تدوير المخلفات المادية والعضوية المخرجة منه بحيث يمكن غعادة استخدامها عوضا عن غهلاك موارد اخرى، مثل أن يتم استخدام مياه الأستحمام والاستعمال الشخصي في تنظيف الأرضيات على سبيل المثال، وغيرها من الطرق الذكية للخروج بأقصى استفادة من الموارد المستخدمة.
4.احترام موقع البناء:
من مبادئ العمارة المستدامة أن يحترم المبنى ألموقع الذي بني فيه، فلا يجب أن يأتى بناء المبنى على حساب أية طبيعة بيئية، فمثلا لا يجب أن يتسبب المبنى في إزالة اشجار أو إيقاف وسد مداري مائية أو ربما تهجير بعض الكائنات من بيئاتها، ولا يجب أن يجور البناء على بيئته الطبيعية بإهلاك المزيد من الموارد، وبشكل مبسط يمكننا القول إن المبنى الواعي بيئي هو المبنى الذي لم تؤثر إقامته في البئية سلبا بأية شكل من الأشكال.
أمثلة على العمارة المستدامة
بدأ العالم- وبالأخص دول العالم الأول التي تمتلك أسباب التكنولوجيا- في تطبيق كافة المفاهيم السابقة للوصول إلى أعلى نسبة ممكنة من المباني المستدامة الواعية بيئية، وقد ترجمت هذه الجهود في شكل مشاريع عملاقة بمختلف دول العالم- ونذكر منها المشاريع الخمس التالية:
1.أبراج “بوسكو فيرتيكال” بمدينة ميلانو الإيطالية:
كان لإقامة هذا المجمع السكنى الفريد من نوعه فى وسط ميلان بإيطاليا أصداء إعلامية على مستوى العالم، بصفته من أجمل العمارة المستدامة في العالم، حيث يتكون من برجين، الأول بارتفاع 80 والثاني 112 مترا وكلاهما مغطى بالنباتات والأشجار بطريقة انسيابية متناسقة، مما يمنحهم المظهر الطبيعي الذى كان سببا في تسميتهم “الغابة العمودية”
هذه الابراج صممها فريق عالمي من المهندسين المعماريين في Boeri Studio، بحيث تكون بمثابة “حضانة للأشجار” والتي تضم أيضا عددا من الطيور!
تم افتتاح المجمع فى أكتوبر 2014، فى ميلانو، ومن ذلك الحين يعد البرجان موطنا لما يقارب ال 800 شجرة وتبلغ مساحتها 30 ألف متر مربع من الغابات وكذلك النباتات.
2.برج “شنغهاي” في مدينة شنغهاي الصيني:
ربما لا يحتوي برج “شانجهاي” على نباتات في الواجهة، ولكنها استغرق من الوقت والأموال الكثير والكثير ليكون اليوم هو أحد أهم العمارة المستدامة في العالم، فقد كلف ذلك المبنى الصينيين حوالي 2 مليار يورو، واستغرف بناؤه 8 أعوام، وتم تصميمه بحيث يحوي 43 تقنية مختلفة من تقنيات العمارة المستدامة والاعتماد على الطاقة النظيفة متجددة.
3.برج توري ريفورما:
هو احد أشهر المعالم المعمارية في العمارة المستدامة في العاصمة المكسيكية “مكسيكو سيتي”، ويعد كذلك المبنى الاكثر استدامة حيث يوفر حوالي 30 % من استهلاكه السنوي للمياه بفضل تقنيات إعادة التدوير التي يتبعها.
4.مركز “فانكوفر” للمؤتمرات:
ربما للوهلة الاولى عند سماع الإسم يتوهم البعض أنه في ألمانيا، ولكن الحقيقة أنه في مدينة “فانكوفر” الكندية، ويتعبر هذا المركز من أجمل بنايات العمارة المستدامة في العالم، حيث يطل على المياه مباشرة، وتم تصميمه بطريقة بديعة جعلت منه قبلة لاستضافة الاحداث والفعاليات العالمية الكبرى، فالمركز يستضيف حوالي 500 حدث عالمي سنوياص ويزوره مئات الآلاف من كافة بلدان العالم، هذا فضلا عن تصميمه المستدام الواعي بيئيا الذي جعله من قائمة المباني المستدامة الأشهر في العالم.
5.متحف “الغد” في ريو دي جانيرو:
كان هذا المبنى عن إنشائه الشغل الشاغل للشعب البرازيلي بما يمثله من أهمية حضارية وتاريخية في المدينة الاثيرة “ريو دي چانيرو” وبما يمثله ايضا من وعي بيئي وحضاري غاية في الاهمية بدولة تعتبر من الاكثر مساهمة في التلوث العالمي باتعاثات الكربون على مستوى العالم، فقد تم تصميم هذا المبنى بطريقة العمارة المستدامة وموفرة للموارد والطاقات، ولكي يكون مقدمة لثقافة البناء المستدام بدولة البرازيل.
اقرا ايضا: أنواع وأسعار مواد البناء الحديث الذي يعد من أنشط وأكثر المجالات تطورًا في العالم